Loading

زارني شاب[1] لديه مبلغ من المال يريد الزواج، ويقول هل يكفي هذا المبلغ للزواج ؟

قلت : نعم يكفي فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ : ” أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ ، فَلَمَّا رَأَتِ المَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: ( هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ ؟ ) ، فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ( اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا ؟ ) ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا ، قَالَ: ( انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ ) ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي – قَالَ سَهْلٌ : مَا لَهُ رِدَاءٌ – فَلَهَا نِصْفُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ، إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ ؟ ) ، فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ، ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: ( مَاذَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ؟ ) ، قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا – عَدَّهَا – قَالَ : ( أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ ؟ ) ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ( اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ [2] . (

قال : ومن يوافق على ما تقول في هذا الزمن.

قلت : لا يخلو المسلمون من الخير، فهناك عقلاء كُثُر.

قال : لم أجد هؤلاء!

قلت: لمَ؟

قال: لم أفهم مقصدك

قلت : لعلك ضيقت الدائرة، من ناحيتين الأولى دقة وكثرة تحديدك لمواصفات الزوجة، والثانية حصرك على منطقة معينة أو جنس معين .

يمد بين بعض حروف كلامه ويقول: تقريباً نعم.

قلت : وما الذي يمنعك أن توسع دائرة البحث، فكلما خفضت المواصفات كلما اتسعت لديك الخيارات، وكلما بعدت عن مواصفات المكان والجنس المعين كلما أيضا اتسعت الخيارات.

سكتُ برهة .. ثم أثرت سؤال يفتح لفكره موازنة وضعه المالي

يختلف يا بني حكم الزواج بحال صاحبه.

قال: كيف؟

قلت : هناك أحوال تجعل الزواج واجب، فإن كنت تقع في بعض المحرمات كإطلاق البصر، في النساء والصور، وإطلاق السمع فيما يهيج الشهوة الفحش والغناء ، واطلاق الفكر في الإبحار في خيالات الإثارة ففي حقك هذا الأمر واجب،

سكت برهة .. ثم خاطبته بصوت منخفض .

بُني لا يقاس قرار الزواج في هذا الحال بالمال أبداً.

قال: إذن بماذا يقاس؟

قلت: يقاس بعلاقتك بربك، فإن وقعت في المحرم وابتعدت عن ربك، فلابد عليك من الإقلاع عنه، وفعل الحلال الذي يخلصك من الحرام قال تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم}[النور:32]

فالله واسع : أي أن فضله واسع فقد يكون الزواج مفتاحا لباب من أبواب الفضل و ليس شرطاً أن يكون مال، فقد يكون صحة وقد يكون اشباعاً للشهوة وتحصيناً  وعفةً ومصدراً لكسب الأجر.

قال: وكيف يكون كسباً للأجر؟

قلت: ألم يقل صلى الله عليه وسلم  ” وفي بُضع أحدكم  صدقة[3]

ألم يقل صلى الله عليه وسلم (وَلَسْتَ بِنَافِقٍ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ، إِلَّا آجَرَكَ اللَّهُ بِهَا حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ)[4]

ألم يقل صلى الله عليه وسلم: ( تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقة،[5] )فكيف بتبسمك بمن هم تحت يدك وبخاصة الزوجة كما قال ابن عيينة: والبَشَاشَة مصيدة المودَّة، و البِرُّ شيء هيِّن، وجه طليق، وكلام ليِّن.[6]

أليس في التربية صدقة؟ أليس في حسن العشرة صدقة؟ أليس في الدماثة واللطافة مع الزوجة صدقة؟

يا أخي سيل من الصدقات في الزواج.

توقفت ثم قلت: دعني أرجع لحديثنا قبل الإسهاب والتطويل، فالحديث معك ذو شجون وحوارك شجعني أن أطيل

تبسم ثم قال : تفضل أكمل

قلت :قد وصف لله نفسه في الآية أنه واسع عليم

قال: علمت واسع وبقي عليم

قلت: أحسنت.

نعم، ففضله واسع وجوده عظيم، وهو سبحانه عليمٌ بما يصلح للمتزوج، فقد يكون الأفضل له المال أو الصحة أو الأسرة السعيدة أو الزوجة الصالحة وغيره فالمتزوج يفتح باب فضل الله الواسع ويسلم أمره لله ويفوض ضعفه وقلة حيلته للعليم فيسير على هدى العليم فلن يضل ولن يشقى 

أطرق بنظره إلى الأرض .. وخرجت تنهديه توحي بما يحمله في جوفه من ألم.

واصلت حديثي : يا أخي، يخط القلم علينا منذ أن نبلغ أو يصبح عمرنا خمسة عشرة سنة، فتكتب حسناتنا وسيئاتنا، فلما يستمر البعض في رحلة المعاناة خمسة عشرة سنة أخرى!!! بين النظرة المحرمة والشهوة المؤلمة, النغمة المهيجة، فهو بين هيجان وشبق ومعصية وألم.

رفعت صوتي قليلا: لماذا هذه المعاناة؟

نظر إليّ وقال: بل وأسوء من ذلك،  فهناك شباب يُجِيز لنفسه المحرم من نظر وغيره وبعضهم يقع في العادة السرية، بحيلة نفسية تريح تأنيب ضميره فحواها ” أني لم استطع الزواج وليس لدي مال كاف، والله سيعذرني لعدم استطاعتي، فلا هو تزوج ولا هو استعف، بل تمضي الأيام والسنين ولم يبدل من وضعه فمن سيء إلى أسوء.

قلت : نعم صدقت ففي الآية التي بعدها {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ” سورة النور33

هذا الخطاب لمن لم يستطع الزواج أن يستعفف، لا أن يهيج شهوته ويوقع نفسه في أوحال الرذيلة

قال: أفهم من أول الآية: أن أمر الله كان للآباء في قوله : وأنكحوا…

قلت : بل هو أعم فهو للمتزوج  ولكل ولي أمر سواء كان أبا، أو سيد ولديه رقيق، أو حاكما وغيرهم من ولاة الأمر.

قلت: يا بُني فضل الله واسع والزواج واسع سهل، لكننا نحن الذين نضيقه ونصعبه.

قال : كيف نضيق الزواج ونصعبه؟

قلت: بغلاء المهور ومراسيم الزواج وطقوسه و تصعيب مواصفات الشاب أو الفتاة.

قال: بكم يمكن الزواج الآن

ضحكت.. وقلت: يا أخي لا يمكنني أن أحدد أرقاماً، فأنت تعلم أن كل قبيلة وكل منطقة تختلف في أعرافها وعاداتها، فهناك المقل والمكثر.

قال: إذن كيف أفعل؟؟

قلت: ابحث واسأل واختر ما يناسبك.

قال: أتعرف لي من يناسبني؟

تبسمت وقلت: تكلمنا عن الوضع المادي، ولم ننهه

تبسم ثم قال: إذن أكمل.

زادت ابتسامتي وقلت: كيف ستُجيب  أنت على أسألتهم؟

قال: وماهي؟

قلت: أنت لابد أن تفكر، بأن أهلها سوف يسألون عن وضعك المادي، فإن اتقنت الإجابة فزت بالقبول.

قال: كيف؟

قلت: تخيل أنك وليّ الفتاة، وجاءك شاب مثلك يخطب بُنيتك، فماذا عساك تقول له؟ وماذا سيجيب الشاب؟

قال وبسرعة –يريد أن يبتعد عن الإجابة: يختلف من وليٍ لآخر.

اتسعت عيناي لأني وجدت ضالتي فقد أيقظت فكره فرفعت صوتي : أحسنت، هات الأول.

تلكأ، ثم بدأ يمعن فكره، وواصل تخيله فطال صمته..

قاطعت صمته ..  وقلت:  هل يمكن أن نجلس جلسة أخرى،  وقد فكرت في ماذا سيقولون الأولياء المختلفون، وماذا تراك ستجيبهم.

قال: لعلي أخذت من وقتك.

قلت: لا، بل لابد دائماً في أي جلسة حوار  وتفاوض، أن نفكر كثيراً فيما يفكر فيه المقابل، والمقابل الآن هو “ولي الفتاة” فإن حققت هدف المقابل وجعلته يشعر بأنك الشاب المناسب لفتاته، قبلك بإذن الله.

سكت برهة.. ثم قلت ماذا ستقول إن كنت ولياً للفتاة؟ وكيف ستجيب الجواب الموفق؟ أتركك تجيب على هذا السؤال ثم تتحفني بإجاباتك الرائعة، فأنت في هذه الجلسة كنت رائعاً..

…أترككم تشاركون الشاب فلعل أحدكم تكون اجابته فتحاً لشاب حائر يريد الزواج …


[1] القصة واقعة إلا أني تصرفت فيها بما يناسب القارئ

[2]  رواه البخاري (5030) ، ومسلم (1425(

[3] رواه مسلم 1006

[4] رواه البخاري (3936) ومسلم (4409)

[5] قال الألباني رحمه الله تعالى في صحيح الجامع (رقم: 2908): صحيح.

[6] فيض القدير226/3

Total Views: 323

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *